تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح لمعة الاعتقاد
213120 مشاهدة
إثبات صفة المجيء والذهاب لله تعالى

بعد ذلك ذكر المؤلف آيات تدل على الصفات الفعلية منها قوله تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا فإن هذا فعل؛ جاء فعل ماض أي في يوم القيامة أثبت لنفسه المجيء وجاء ربك ثقلت هذه الآية على المعتزلة, وكذلك على الأشاعرة, ومثلها قوله تعالى في سورة البقرة: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وقوله تعالى في سورة الأنعام: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ فإن هذا صريح في أن الله تعالى يأتي.
زعم المعتزلة ونحوهم أن الله منزه عن المجيء والذهاب؛ وقالوا كما عبر الزمخشري وغيره: إن هذا من شأن المركبات والمحدثات, وهم يقولون: إن الرب تعالى منزه عن ذلك, وقالوا: إن إثبات الصفات الذاتية يلزم منه التركيب, أنه مركب من صفات متعددة فيدعون أن إثباتها يستلزم التركيب وهذا خطأ لا يستلزم ذلك؛ فإن الله تعالى واحد بصفاته وبذاته واحد, وهم يدعون أن إثبات الصفات يستلزم أيضا تعدد القدماء؛ لأن أخص الصفات لله عندهم صفة القدم؛ فيقولون ذات الله قديم, فإذا قيل إن له صفات؛ لا يكون القديم واحدا؛ بل يقال: سمع الله قديم, وبصره قديم, وجهه قديم, وعينه قديم, ويده قديم فيلزم تعدد القدماء.
فلذلك أنكروا أن يكون لله هذه الصفات, والجواب أن نقول إن الصفات من الذات, إن الله تعالى واحد بصفاته وبذاته, كما أن الإنسان واحد؛ ولو كان له صفات؛ أنت مثلا تقول: جاءني زيد وحده؛ مع أن فيه صفات, ولا تقول, ولا تذكرها عددا لا تقول جاءني زيد, وجاءني سمعه, وجاءني بصره, وجاءني رأسه, وجاءتني يداه, وجاءتني رجلاه؛ لأنه واحد بصفاته؛ فصفاته من ذاته, كذلك قول الله تعالى: وإلهكم إله واحد واحد بصفاته واحد بصفاته وذاته.
فلا يلزم إثبات الصفات إثبات التعدد, ولا إثبات التركيب؛ لأن التركيب إنما يكون لشيء كان متفرقا ثم ركب؛ مثلا السيارة كانت متفرقة كل مسمار وحده ثم يأتي العارف بها فيركبها ويضع كل مسمار أو كل حديدة في موضعها؛ فيقال ركب فلان هذه السيارة بعد تفرقها, وأما الإنسان فليس متفرقا ثم ركب بل هكذا خلق؛ لم يكن متفرقا ثم جاء أحد فركب له الرأس وركب له اليدين وركب له الرجلين؛ فقولهم إن إثبات الصفات يستلزم التركيب نقول إن هذا خطأ؛ إنما يستلزم إذا كان متفرقا؛ فالحاصل أن إثبات الصفات لا يلزم منه تعدد القدماء ولا يلزم منه التركيب, ولا يلزم منه الحدوث.
الله تعالى أثبت لنفسه الصفات والأفعال: وَجَاءَ رَبُّكَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ لما أنهم أنكروا هذا جعلوا فيه مقدرا فقالوا وَجَاءَ رَبُّكَ أي جاء أمر ربك واستمروا على هذا في بقية الآيات, ومنهم زاهد الكوثري المصري ؛ الذي توفي في القرن الماضي عقيدته عقيدة الأشاعرة في إنكار الصفات فهو لما علق على كتاب الأسماء والصفات أفسده؛ فلما جاء آيات المجيء استدل بقوله تعالى في سورة النحل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ في هذه الآية صريح أمر ربك يعني: عذاب ربك, يعني: هؤلاء الذين توعدهم الله لما كذبوا؛ هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة بعذاب الله, أو يأتيهم أمر الله تعالى عذاب كالريح ونحوها؛ تقصفهم وتعذبهم، فإذا كانت هذه الآية فيها تقدير أمر ربك؛ فلا يقال إن بقية الآيات كذلك, كما يقول هؤلاء الأشاعرة ونحوهم.